{قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}.التفسير:وقع الحكم بالإدانة على المجرم. فلم يستسلم، ولم يتقبل الأمر بالهبوط على إطلاقه هكذا! فطلب من اللّه سبحانه أن ينظره أي يؤخر هلاكه إلى نهاية الحياة الإنسانية على هذه الأرض، ليكون في صحبة الإنسان.بتحدّاه، وينتقم منه، إذ كان سببا في هذه اللعنة التي وقعت عليه.ولقد سوّلت لهذا الرجيم نفسه أن يتحدى اللّه بهذه التجربة التي بينه وبين الإنسان، والتي قدّر أنه سينتصر فيها على الإنسان، ويقيم من ذلك حجة على اللّه في امتناعه عن السجود لآدم، لأنه خير منه، وأن بيده سلطانا متمكنا عليه، حين يأمره فيطيع، ويدعوه إلى الإثم فيجيب، وبهذا تنكشف التجربة عن كائن بشرى يتمرغ في الوحل والطين، متمردا على اللّه محاربا له!.. لا يستحق من اللّه هذا التكريم، وسجود الملائكة له.وهذا موقف يدعو الإنسان أن ينتصر فيه لنفسه، وأن يجزى إبليس، ويتحدّى سفاهته، ويقف منه موقف العدوّ لعدوّه، في ميدان القتال.{قال أنظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم} إن هذا اللعين يتحدى اللّه، ويثأر لنفسه في شخص هذا الإنسان الذي أراده اللّه ليكون خليفته في أرضه، فيفسد عليه أمره، ويشوّه وجه خلافته.وها هو ذا يقعد على صراط اللّه المستقيم، الذي أقام اللّه الإنسان عليه، ثم يترصد الإنسان، وبنحرف به عن سواء السبيل.{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ}.هكذا يتربص الشيطان بالإنسان، يلقاه في كل وجه، ويأتيه من كل طريق، ويدخل عليه من كل باب، ليضله عن سبيل اللّه، فيشرك بربه، ويكفر به، ويتخذ الشيطان وليا له من دونه.{قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً}.المذءوم: المطرود، والمذموم، والمعيب، يقال: ذأمه يذأمه ذآما، وذأما، إذا عابه.والمدحور: المنهزم المغلوب.{لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}.اللام هنا في {لمن تبعك} موطئة للقسم، و{لأملأن جهنم منكم أجمعين} جواب القسم.وفى هذا استخفاف بأمر الشيطان، وبما معه من كيد وغواية، كما يقول اللّه سبحانه: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً} بالإضافة إلى ما مع الإنسان من عقل، وعزم.. فمن أعطى الشيطان زمامه، واتخذه وليا، فهو من حزب الشيطان، يضاف إليه، ويصير إلى المصير الذي هو صائر إليه، وهو بهذا غير جدير بأن يكون في ضيافة اللّه، ومن حزب اللّه.